Blogger Widgets

Sunday, 6 October 2013

كتاب اسرائيلي يعترف «انهيار أسطورة سلاح الجو الإسرائيلى» فى حرب أكتوبر حقق أعلى المبيعات فى تل أبيب..

كتب ـــ محمد حامد




 


عشية الذكرى الـ40 لحرب أكتوبر، نشر المحلل السياسى لصحيفة معاريف «شالوم يروشالمى» مقالا مطولا رسم فيه صورة الحياة فى إسرائيل قبل اندلاع الحرب، وكيف طغى الشعور بالنشوة الحمقاء على جميع الإسرائيليين، لكن هذا الإحساس الذى استمر 6 سنوات ونصف السنة، تحول فى مساء 6 أكتوبر إلى حالة من الإحباط والصدمة، أدت إلى تغييرات جوهرية فى بنية المجتمع الإسرائيلى، وإلى نص المقال:
كان فى القدس فى مطلع السبعينيات ملهى يسمى سفينكس يقع بالقرب من فندق هولى لاند، واعتبر فى ذلك الوقت آخر صيحة فى الألعاب النارية وألعاب الأضواء، كانت الظلال والأصوات تخرج المحتفلين عن صوابهم، كان تأثير تل أبيب يظهر هناك بوضوح بدءا من حارس الفندق والنخبة التى ترتاده، ونهاية بكئوس الويسكى المزخرفة».
كانت الأجواء حرة ومتحررة والجمهور متنوعا يناسب مدينة القدس، اندلعت حرب الغفران فى قمة ازدهار هذا الملهى، وفجأة بدا المشهد غريبا وغير مألوفا، توافد الرفاق على سفينكس وكان كثير منهم، مثلى جنودا يقضون إجازاتهم، لكن أحدا لم يرقص».
أذكر مقدم الأغانى البريطانى وهو يحاول أن يحفزهم على الرقص بأغنية راقصة للمطرب تسفيكا فيك اسمها الراقص الآلى، لكن الشباب لزموا أماكنهم وشربوا الويسكى ببطء وهم يحدقون فى بعضهم البعض أو فى الهواء، وبين الحين والآخر كانوا يضعون رءوسهم بين أيديهم على المنضدة حتى لا يلاحظ أحد الدموع فى عيونهم، ربما تذكروا صديقا جلس ذات مرة إلى جوارهم فى الأيام الحلوة.
وشيئا فشيئا أخذ اصحاب الملهى يلائمون أنفسهم مع الواقع القذر، تغيرت الموسيقى وخفتت الأضواء، وحل توم جونز وديانا روس وفرقة السوبر يمس، محل فرانك سيناترا، فى ذلك الوقت كنا نطلق على سفينكس ملهى الاكتئاب، وفى منتصف عام 1974 وعند نشر نتائج لجنة «اجرانات» أغلق الملهى وهزمته آلام الحرب.
كانت حرب يوم الغفران لحظة الحقيقة بالنسبة لإسرائيل، وحدث تاريخى مؤلم وضع أمام الإسرائيليين مرآة تصحيحية، فى عام 1973 اعترفنا بضرورة القوة التى بقينا هنا بفضلها، ولكننا عرفنا أيضا أن للقوة قيودا.
هذا الاعتراف بضرورة القوة وقيودها تسرب إلى الوعى الإسرائيلى ولا يزال يفرض نفسه على السياسات، قال وزير الدفاع إبان الحرب موشيه ديان «إذا كان علىّ الاختيار بين شرم الشيخ من دون سلام، وبين سلام من دون شرم الشيخ، فسأختار شرم الشيخ».. لكن ديان كان أول من تنازل عن سيناء كلها بما فى ذلك شرم الشيخ بعد الحرب. وأريئيل شارون أحد رموز الحرب الذى جعل شعاره ضرورة تحديد حدود إسرائيل بالقوة، كان أول من انسحب إلى خطوط 1967، أما بنيامين نتنياهو الذى عاد من الدراسة فى الولايات المتحدة عند نشوب الحرب، فقد كتب بعد ذلك عن الدروس المستفادة من الحرب، وقرر أن الأرض مقابل السلام هو شعار باطل، لكنه اليوم يقترح الصيغة نفسها على الفلسطينيين.
يتحدث رؤفين ميرحاف أحد قادة الموساد السابقين عن الحقول التى لم تنبت ثمار القيادة بالمقدار الصحيح عشية حرب يوم الغفران، لم يؤد المستوى السياسى دوره، وكان أسير الماضى، ولم يقرأ الخارطة، وملأ قادة الجيش ذلك الفراغ، وهذا التقسيم غير الصحيح تسبب فى كارثة.
كانت جولدا مائير رئيسة الحكومة عشية الحرب تردد «لم نعش أبدا أفضل من هذا الوضع»، كان الإحساس العام هو الاطمئنان الغريب، يروى أورى أفنيرى عن ازدهار عجيب فى حياة المجتمع والنوادى فى تل أبيب، وعن أيام كان فيها كل شيء مباحا، إذا لا يوجد من يوقفنا ويقول لنا ماذا نفعل.
لم يعرف تبجيل الجيش وقادته حدودا، كانت الحفلات الاجتماعية والنوادى الليلية والمطاعم الكبرى يزينها حضور كبار ضباط الجيش الذين كانوا صفوة المجتمع فى ذلك الوقت، وهو ما جعل أفنيرى يصف ذلك الوضع فى صحيفته «هاعولام» بسفينة المعتوهين.
لم تكن هناك قيود على قادة الجيش والمؤسسة الأمنية، كان بمقدور موشيه ديان أن يسرق ما يروق له من الآثار، ومن يجرؤ على توجيه النقد له يتم إسكاته بسرعة، كان رئيس الأركان وقادة المناطق المركزية أكثر شهرة من الوزراء وكبار الساسة فى عصرنا، أذكر أنه عندما كان الجنرال رحبعام زئيفى يتوجه إلى المنطقة المركزية كانت حركة المرور تتوقف، ويصطف الجنود والضباط على جانبى الطريق لتحيته وكأنه فى استعراض.
وعلى سبيل المقارنة فبعد ذلك بـ7 أعوام أنشأ موشيه ديان حركة سياسة جديدة خاضت انتخابات 1981، وفى احتفال للحركة فى جامعة تل أبيب احتدم غضب الطلاب والأساتذة بطريقة لم يكن يتصورها أحد قبل «التقصير»، صرخ الطلاب فى وجهه «يداك ملطختان بدماء اليهود والعرب».
لم يختف الإحساس بالتفوق حتى عندما نشبت الحرب فى 6 أكتوبر، يروى نتنياهو عن الحوار التى دار بينه وبين الشباب العائدين من أمريكا على متن الطائرة فيقول «كنا واثقين من أن الحرب ستنتهى خلال بضعة أيام أو أسبوع على الأكثر بانتصار ساحق لإسرائيل، لكن هذا لم يحدث فى الواقع، ولم يعد كثير من هؤلاء الشباب إلى أمريكا ثانية»، ويروى المظلى السابق حاييم عن الضباط والجنود الذين جندوا من داخل معابد القدس فى يوم عيد الغفران، وطلبوا أن يحجز لهم مكان فى داخل المظلة أثناء عيد المظال، لكى يحتفلوا بالانتصار المتوقع وتكون فرحة العيد مضاعفة، لكن كثيرا من هؤلاء لم يرجعوا أيضا.
انتقل الإحساس بالغرور من المستوى السياسى إلى الشارع وأصاب أيضا قيادة الجيش خلال الاحتفال الذى نظمته المكتبة القومية فى القدس بالذكرى الأربعين للحرب، والذى كان تحت عنوان «انكسار واحتجاج»، روى موطى أشكنازى أنه عندما ذهب للقاء شموئيل جونين (قائد المنطقة الجنوبية إبان الحرب) قبل الحرب قال له جونين: «خلال 48 ساعة سأكون فى الطريق إلى القاهرة»، وخلال 96 ساعة سأكون رئيس الأركان القادم، لكن جونين كما هو معروف عزل من منصبه أثناء الحرب، وبعدها أخذ يجوب دولا أفريقية للعمل حتى مات بأزمة قلبية فى 1991.
تلقى كثير من الجنود الضربة فى الميدان، كان الغضب كبيرا وخصوصا من القادة، كانت الصدمة القومية قاسية بسبب الفجوة بين التوقع وخيبة الأمل، وتدهورت الثقة بالنفس حتى وصلت إلى الحضيض، وأصبح فقدان الثقة فى القيادة أمرا خطيرا، واستبدلت غمزات الأعين التى كنا نتبادلها عشية الحرب عندما نقول «هناك من نعتمد عليه» بنظرات الريبة التى وصلت إلى حد الاستخفاف بكل من يريد أن يقودنا.
راجت برامج السخرية والتهكم والاستهزاء بالقادة بعد حرب يوم الغفران، لم يكن البرنامج الساخر الرائع «تنظيف الرأس» ليعرض فى التليفزيون قبل عام 1973، ولم يكن من المؤكد أنه كان سيحظى باهتمام الجمهور فى ظل حكم حزب العمال.
هز الزلزال الأمنى المؤسسة السياسية، وكانت له هزات ارتدادات ضخمة، لقد جعلتنا الصدمة أكثر تواضعا وأكثر يقظة، حيث فقدت إسرائيل صفاءها وتحولت إلى دولة حزينة وساخطة، تغيرت النظرة إلى وسائل الإعلام وانهارت الثقة فى الرقابة العسكرية على الإعلام.
تأثرت الفنون بشكل درامى بالحرب، يتحدث يوآف كوتنير عن الأغانى الحماسية لرفع الروح المعنوية فى بداية الحرب واثنائها، والتى تحولت فيما بعد إلى أغنيات حزينة تشد من الأزر، وفى منتصف عقد السبعينيات ظهرت لدينا الموسيقى الثورية البديلة، كما خرجت الموسيقى الشرقية من داخل الأندية فى يافا والرملة، بل إن أفيفا عوزرى تجرأت على كتابة وغناء أغنية حزينة عن جندى مفقود، واقتحمت بذلك المجال الذى تخصصت فيه ناعومى شيمير.
ومع ذلك لم تثمر الحرب أدبا فريدا من نوعه حتى اليوم، لم تولد بعد الملحمة التى تفتح فى الحقيقة غطاء الدبابة وأبواب المدرعات لكى تأتى من هناك بقصة المعركة، وتروى المأساة من عيون المحاربين الذين كانوا فى وسط الجحيم، تساءل الأديب إيال ميجيد فى احتفالية المكتبة القومية: «أين رواية الخدعة 22 التى تتناول حرب الغفران؟» إن رواية الخدعة 22 كتاب الاحتجاج الضخم الذى ألفه جوزيف هيلير ضد غياب العقلانية العامة خلال الحرب العالمية الثانية، وغياب العقلانية هو الأمر الذى يلازمنا حتى اليوم.
يعتقد ميجيد أن الأدب الإسرائيلى هرب من الحرب لأنها تعرضه للخطر، ربما خرج الأدباء من الحرب مرتبكين بعض الشىء، وربما وقعوا هم أيضا ضحية للدعاية التى تقول إننا حققنا انتصارا كبيرا فى الحرب، ولم يعرفوا كيف يواجهون الكبت، وعلى كل حال فإن المادة السابقة واللاحقة لحرب يوم الغفران تنتظر منذ 40 عاما باحثا سياسيا وعسكريا واجتماعيا والأهم أديبا مبدعا.. أين نورمان ميلير الإسرائيلى الذى يرفع القناع عن الحدث ويقدم لنا القصة الحقيقية والرواية التاريخية النقدية الكبرى عن الحرب التى جعلتنا أشخاصا آخرين؟.
سنكتفى على ما يبدو فى الوقت الحالى بقصائد الحزن المؤلمة التى يصعب تحملها «ليس هذا هو نفس الوادى، ليس هذا هو نفس البيت، وأنتم لم تعودوا كما كنتم، فلن أرجع».. هذا المقطع كتبته دوريت تسميريت من كيبوتس بيت هشيطاه الذى فقد 11 من أبنائه فى حرب يوم الغفران. لا أعتقد أن باستطاعتكم أن تستمعوا إلى أغنية «القمح ينمو ثانية» دون أن تذرفوا الدموع.
ضاعت الثقة فى إسرائيل، فى تلك الدولة الصغيرة قليلة الصبر يقاس الزمن بتعبيرات قصيرة، وانحشر الألم ولم ينتشر بعيدا واختفى، فرض الواقع الجغرافى المعاناة على ذلك البلد الصغير، وعلى العائلات التى تسكن قبالة بعضها، وسارت فى جنازتين فى يوم واحد وزارت مستشفيات والتقت هناك بجار أو زميل فى العمل، ولهذا فقد نجح شخص واحد هو موتى أشكنازى فى أن يحشد الغضب بكفاءة كبيرة حتى انفجر بسرعة فى ثورة سلمية ضد السلطة المدنية والعسكرية.
لم تكن هذه الحركة الاحتجاجية مماثلة لتلك التى وقعت فى 1982 عقب حرب لبنان الثانية ومذبحة صابرا وشاتيلا، أو فى 2011 بسبب الوضع الاقتصادى، لم يخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، ولم يحتشدوا فى الميادين على الرغم من أنه كانت لديهم أسباب أكثر وجاهة، ورغم ذلك فقد كانت الخيمة الصغيرة التى نصبها موتى أشكنازى أمام مقر رئيس الحكومة تضم شعبا كاملا غيرته حرب مصيرية واحدة، وغيرت قيادته بشكل دراماتى.
مر رد الفعل ضد السلطة بـ3 مراحل، نضج التحول تدريجيا، فى الانتخابات التى أعقبت الحرب نشأ وضع غريب، فلم يتغلب الخوف والغضب من نتائج الحرب على الخشية من استبدال السلطة.كان الشعب لا يزال يفضل أن يمسك بتلابيب الفشلة من حزب العمال على ارتداء ثياب سلطة جديدة غير معروفة، ومع ذلك قفز الليكود فى انتخابات ديسمبر 1973 من 32 إلى 39 مقعدا فى الكنيست، وفقد حزب العمال خمسة مقاعد ليهبط من 56 إلى 51 مقعدا.
وجاءت الضربة التالية فى إبريل 1974، فقد عزلت لجنة أجرانات كبار قادة الجيش: رئيس الأركان دافيد إليعازر، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلى زعيرا، وقائد المنطقة الجنوبية جورديش.. لكن الشعب لم يشعر بالراحة، ففورا وفى أعقاب ذلك عزل موتى أشكنازى والشعب من داخل الخيمة رئيسة الحكومة جولدا مائير ووزير الدفاع ديان، لكن ذلك لم يكن كافيا، ففى انتخابات 1977 اكتمل الانقلاب وفقد حزب العمل 19 مقعدا آخر وفقد السلطة أيضا.
يقول موتى اشكنازى: «بعد الحرب أدرك الشعب أنه صاحب السيادة، وتعلم الخروج إلى الشارع فى احتجاجات فعالة، بعد الحرب ظهرت منظمات وحركات وجماعات لا تؤمن بأحد، وتريد تحديد برنامج عمل صحيح».

 نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 10 - 2013

No comments:

Post a Comment